معركة حطين الخالدة .. بين المسلمين والصليبيين 583 هـ – 1187 م ( 4 – 4 )

معركة حطين الخالدة ..
بين المسلمين والصليبيين
583 هـ – 1187 م
( 4 – 4 )
د. كمال إبراهيم علاونه
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
……………………….
10. فاتحو بيت المقدس
بيت المقدس عامة والمسجد الأقصى المبارك خاصة لهما مكانة وأهمية خاصة في الإسلام ، فالمسجد الأقصى كان القبلة الأولى للمسلمين ، وهو ثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، وارض إسراء ومعراج الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى ، والوصول برفقة الملك جبريل عليه السلام إلى السماء السابعة عند سدرة المنتهى ، وفرض الله الصلوات الخمس على أمة الإسلام ، أمة الهدى . والصلاة في المسجد الأقصى المبارك لها ثواب مضاعف وجزيل كما أخبرنا المصطفى محمد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : ” صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ ” [1] . وأهل بيت المقدس ، في جهاد ورباط في سبيل الله إلى يوم القيامة ، وسيبقون على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ ؟ قَالَ : بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ” [2] . فتح المسلمون بيت المقدس، أو القدس الشريف كما تسمى فلسطينيا وعربيا الآن ، مرتين : المرة الأولى : زمن الخليفة الراشدي الفاروق عمر بن الخطاب ، عام 15 هـ / 636 م ، ومنح أهل إيلياء الأمن والأمان الإسلامي فيما سمي ب ” العهدة العمرية ” . والمرة الثانية زمن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي ، حيث دخلت الجيوش الإسلامية بيت المقدس ، المدينة الإسلامية التي اتخذها الفرنجة عاصمة لمملكتهم ، بعد حصار استمر خمسة أيام ، بصلح أيضا واستسلام من قبل أعداء الأمة ، دخلت الأقصى المبارك وعلى رأسها القائد الفذ الموحد للأمة الإسلامية تحت راية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، في يوم الجمعة في 27 رجب 583 هـ ذكرى الإسراء والمعراج الإسلامية الخالدة عبر التاريخ الموافق 2 تشرين الأول 1187 م ، مؤكدا التسامح الإسلامي قائلا للفرنجة المحتلين الذين استسلموا : ” لكم الأمان على أموالكم وأنفسكم ، تخرجون من أبواب المدينة تحت سيفي فقد أقسمت أن افتح المدينة عنوة بالسيف ، وعلى كل خارج منها أن يفتدي نفسه بعشرة دنانير ” . وعن هذا النصر يقول ابن الأثير : فأزيح شعار الحملة الصليبية الاستعمارية من على رأس قبة الصخرة المشرفة الإسلامية ( صليب مذهب )، ودوى الأذان الإسلامي في سماء المسجد الأقصى المبارك وبيت المقدس من جديد ، وكبر المسلمون تكبيرة مجلجلة وبصوت واحد ” الله اكبر ، الله اكبر ” ودخل الفاتح صلاح الدين الأيوبي بطل معركة حطين ، المسجد الأقصى في 9 تشرين الأول 1187 م بعد أن نظف المسلمون الأرض وباحات الأقصى ورشوه بماء الورد [3] ، فرحا وابتهاجا لإزاحة كابوس احتلالي جاء من أوروبا لاستغلال الأرض العربية واضطهاد أمة عربية سامية خالدة ونهب مقدراتها وطمس حضارتها المجيدة .. فأعيد الحق إلى نصابه ، بعد جهد جهيد ، بالحسنيين معا : شهادة ونصر ، نصر وشهادة ، مدوية في الآفاق فوق ثرى أرض الإسلام في وسط الأرض المقدسة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس . فرق كبير بين يوم احتلال بيت المقدس من قبل الفرنجة عام 1099 م ويوم تحريرها من قبل صلاح الدين الأيوبي عام 1187 م ، في يوم الاحتلال الصليبي عمل الجند المحتلين تقتيلا في المسلمين في المسجد الأقصى المبارك حيث قتلوا ما يربو عن سبعين ألف مسلم خلال أسبوع . ويوم الفتح الإسلامي الثاني لبيت المقدس زمن صلاح الدين ، لم ترق فيها نقطة دم واحدة بعد عهد الأمن والأمان الصلاحي ، إنه الفرق بين سماحة الإسلام ، وغدر الكفر والطغاة .
11. صلاح الدين في المسجد الأقصى
جَمعة وجُمعة المسجد الأقصى المبارك
وفي 4 شعبان 583 هـ / 9 تشرين الأول 1187 م صلى صلاح الدين صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وطلب من القاضي محي الدين محمد بن زكي الدين القرشي أن يخطب في الجمعة . وكان طلب صلاح الدين الأيوبي من الفرنجة الصليبيين مقابل الأمن والأمان لهم كشرط من شروط الصلح أن يفتدي كل منهم نفسه بعشرة دنانير ، وكان عدد المقاتلين الفرنجة في المدينة نحو ستين ألف شخص . فعجز ثلاثة آلاف منهم عن الدفع ، فطلب منه شقيقه العادل أن يخلى سبيل ألف شخص ، فاستجاب له وتدخل البطريرك هرقل بطريرك اللاتين لفئة أخرى فعفا عن سبعمائة شخص آخر وباليان الغادر ( قائد المدينة الإفرنجي ) منحه صلاح الدين خمسمائة آخرين ثم أطلق سراح الباقين غير المقتدرين من الأرامل واليتامى والعجائز والكبار في السن ، وجاءت نساء بعض الأسرى يستوهبن ازواجهن فوافق كرما لدموعهن ، وقال : أنا شفيع هؤلاء ، اذهبوا فأنتم الطلقاء ، طلقاء ولكن من نوع جديد ، وزمن آخر ، ودفع عنهم الفدية من خزائنه [4] . على أي حال ، أعاد صلاح الدين الأيوبي بناء ما دمر من سور مدينة القدس عند فتحها عام 1187 م ، ثم رممه الملك العادل . إلا أن البناء الحالي لسور القدس يرجع للسلطان العثماني سليمان القانوني حيث استمرت عملية البناء خمسة أعوام انتهت عام 943 هـ – 947 هـ / 1531 م – 1536 م . وتذكر كتب التاريخ أن أقدم بناء لسور يبوس هو الذي بناه الملك العربي اليبوسي – الكنعاني ( ملكي صادق ) قبل قيام مملكة داود عليه السلام بعشرين قرنا من الزمن [5] . وبعد تحرير بيت المقدس ، لم يبق للصليبيين إلا إنطاكية وطرابلس وصور وبعض المدن والقلاع الصغيرة وقبرص في البحر الأبيض المتوسط ، فكانت معركة حطين فاتحة فتح وخير على العرب والمسلمين جميعا . الأمر الذي حدا بملوك أوروبا الثلاثة ، فردريك بربروسا إمبراطور ألمانيا ، ورتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا وفيليب أغسطس ملك فرنسا ، بتجريد الحملة الصليبية الثالثة ( 1189 – 1192 م ) لمحاربة صلاح الدين . وقد وقع صلح الرملة بين صلاح الدين الأيوبي وريكاردوس عام 588 هـ / 1192 م بموجه تم :
1. جعل القدس بيد المسلمين مع السماح للنصارى بالحج إليها دون دفع ضرائب .
2. احتفاظ الصليبيين الفرنجة بالجزء الساحلي بين عكا ويافا .
3. يبقى الساحل من عسقلان حتى الجنوب بيد المسلمين ، وبقيت عسقلان خرابا .
4. جعلت اللد والرملة مناصفة بين المسلمين والصليبيين .
ثم توجه صلاح الدين الأيوبي من فلسطين إلى دمشق حيث توفي في السنة التالية ودفن جثمانه قرب الجامع الأموي بدمشق عام 589 هـ / 1193 م . والعبرة المستفادة من هذين الحدثين الجليلين ، فتح بيت المقدس ، بالإسلام وذروة سنامه ، الجهاد في سبيل الله ، ونؤكد على كلمة الإسلام ، والإسلام وحدة ، ولا نظام أو دعوة سواه ، فالإسلام الحنيف هو القادر على تجميع أبناء الأمة ، تحت راية الإخوة الإيمانية والتعاون والوحدة والعدل والمساواة والإيثار ، فالإسلام يقود من نصر إلى نصر لهذه الأمة من عرب ومسلمين ، لا فرق بين عربي وأعجمي ، و ” إن أكرمكم عند الله اتقاكم ” ، وما عدا ذلك ” لا يسمن ولا يغني من جوع ” في كافة المجالات الفكرية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ، العاجلة والآجلة ، ما جاء منها وما بقي منها في عالم الملك والملكوت الإلهي والغيب ، عند الله سبحانه وتعالى ، عالم الغيب والشهادة ، ولا يطلع على غيبه أحدا .
على العموم ، أخرج الصليبيون من مدينة القدس إثر معركة حطين عام 1187 م ثم عاد الصليبيون الفرنجة للمدينة المقدسة عام 1229 م بعد تسليمها لهم من الملك الكامل بن أيوب بسبب اختلال موازين القوى بين المسلمين والفرنجة الأوروبيين لصالح الفرنجة ، إلى أن حررها مرة ثانية من الصليبيين الفرنجة الملك الناصر عام 1239 م . ثم أعاد هذا الملك تسليمها للصليبيين عام 1243 ثم حررها نهائيا عام 1244 م الملك الأيوبي نجم الدين أيوب . وقد شهدت مدينة القدس تطورا وازدهارا زمن المماليك حيث مكثوا يهتمون بها حتى تبعت للدولة العثمانية الإسلامية عام 1517 في أعقاب معركة مرج دابق ، ثم سقطت بيد الاحتلال البريطاني عام 1917 م إبان الحرب العالمية الأولى الذين مهدوا لإقامة ما يسمى بوطن قومي يهودي في فلسطين وحرمان أهل البلاد الأصليين من حقوقهم السياسية في البلاد .
كما رأينا ، لقد فتحت مدينة بيت المقدس مرتين : الأولى في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والثانية في عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي ، ترى من سيكون الفاتح الثالث لبيت المقدس ؟ وهل سيأخذ هذا الفاتح بالأسباب والمسببات ؟ بالإعداد والاستعداد اللازم وفق استراتيجية فكرية وعسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية قائمة على أركان الإسلام ، وذروة سنامه ، بالوحدة والتكافل والتعاون ، مع ما يسبق ذلك من تكتيكات مرنة متحركة تصول وتجول في الأذهان وفي النفوس بين الحين والآخر ، تدور كدوران الأرض حول الشمس وثابتة متلألئة كثبات وتلألؤ النجوم في كبد السماء ” وكل في فلك يسبحون ” دونما انتقاص أو نقص في العدة والعتاد ” واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” ، خاصة ونحن في عصر التقنية العسكرية المتطورة أرضا وبحرا وجوا وطيران يهيل من فوق الرؤوس كل ما يؤدي إلى الكابوس .. في عصر الذرة والقنابل الهيدروجينية وعصر الإلكترون .. إن الإرادة الإسلامية هي الأساس ، وهي المتراس الحامي والمدافع عن كيان المقدسات الإسلامية ، وإلى متى الاستجداء من هنا وهناك لاستعادة الحقوق المسلوبة بقوة القوة لا بقوة الحق والمنطق والإرث الحقيقي ، { فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا . إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا } [6] وإنا لصادقون .لقد جعلت القدس عدة مرات في التاريخ كعاصمة للمحتلين منذ عهود غابرة ، وما أشبه اليوم بالبارحة ، إلا أن ذلك هو من علامات اكتمال الظلم والطغيان وبالتالي النقص والهزيمة والهوان ، ولقد استوجبت عملية استرجاع بيت المقدس والمسجد الأقصى كما يقول الله سبحانه وتعالى واعدا المسلمين المظلومين الذين أخرجوا من ديارهم بالنصر المبين : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [7] . وكما يقول المثل ” إشتدي أزمة تنفرجي ” بإذن الله ، والقدس كما ورد في الحديث النبوي الشريف ، عندما دعا على الجراد أن يتوجه لبيت المقدس فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بما معناه أن تلك البلاد لا يظهر فيها الظلم إلا أنهاه الله سبحانه وتعالى إن عاجلا أو آجلا ، وإرادة الله فورية وحالية هي إنما إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، قال الله تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } [8] .
12. معركة حطين .. عبر وعظات متجددة
لا بد من استخلاص العبر من معركة حطين وفتح بيت المقدس ، ومن أبرز هذه العبر ما يلي :
أولا : إن عملية التحرير لا تتم إلا من خلال الوحدة الإسلامية في ظل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، واجتناب الكبائر والموبقات ، وإتباع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي والظلم .
ثانيا : إن عملية التحرير تتم بعد الإعداد والاستعداد المادي الملائم من العتاد والأسلحة وكافة وسائل القوة المادية والجهاد في سبيل الله .
ثالثا : إن عملية التحرير في المرتين ، كانت تحت إمرة قائد مسلم عادل ، يتخذ من الجهاد في سبيل الله طريقا منيرا ، كضوء الشمس ، الأول هو الفاروق عمر بن الخطاب من مكة المكرمة ومن عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة ، والقائد الثاني صلاح الدين الأيوبي من تكريت العراقية ، بعد استلامه زمام مصر والشام معا ، فالانطلاق والتحرير ومقاومة ومناهضة الطغيان تحتاج إلى تعاون أهل البلاد الأصليين أيضا ليكونوا رأس الحربة الجهادية في سبيل الله ، لأن قوة التحرير الحقيقي الكبرى تأتي من خارج الأرض المحتلة ، والظلم لا يمحوه إلا العدل والإحسان . وبهذا نستطيع القول ، إن عملية التحرير الثالثة القادمة لبيت المقدس لن تكتمل إلا بالإسلام دعوة ودينا ودولة وبالجهاد في سبيل الله طريقا ، ولا بد من وجود القائد الرمزي المسلم الموحد لكافة الجهود الفكرية والعملية جنبا إلى جنب دونما إبطاء ، فالقائد الفذ هو المنقذ وهو المجمع للجهود المبعثرة هنا وهناك ، فالأمة تمتلك كافة مقومات الحرية والتحرير من بر وجو وبحر ، ومن مقومات عقائدية وبشرية واقتصادية وغيرها إلا أننا بحاجة ماسة إلى وجود الإرادة القوية الصادقة والأمينة الحريصة على النصر وإعادة أمجاد الأمة العربية الإسلامية ، الأمجاد التليدة .
رابعا : لا بد لنا وأن نقول عن يوم حطين ، يوم النصر للمسلمين ، وفي الوقت ذاته يوم هزيمة وخيبة للفرنجة والمحتلين هو يوم بشرى عبر الأجيال السابقة واللاحقة ، للاستفادة من دروس الماضي وعبره ورفض الذل المستطير ، واستشراف المستقبل ، كما قال الله جل جلاله : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } [9] . وقال الله تعالى مؤكدا على ذلك في آية أخرى : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [10] .
وختاما ، يجب أن يقتدي المسلمون في هذا العصر بأبطال معركة حطين الخالدة أبد الدهر والأزمان كدليل ساطع على مقدرة الإسلام والمسلمين على هزيمة الظلم والظالمين حيث خرجوا وسيخرجون مذمومين مدحورين إن شاء الله ، لأن الله كتب الجلاء على الطغاة ، مهما طال الزمن وتغيرت موازين القوى واختلفت أنواع الأسلحة ، { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [11] ، { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى } [12] . ونحن كعرب ومسلمين ، يجب أن لا نيأس من روح الله ، لان من يعد العدة للنصر يقطف ثماره ، وكما قال الله سبحانه وتعالى : { لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ } [13] . وسلام إلى صلاح الدين وعلى صلاح الدين ، يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا ، وسلاح الإيمان هو الأكثر مضاء وفعالية ، أكثر من السيوف والرماح والنشاب والمنجنيقات ومن الطائرات والدبابات والقوة النووية والذرية ، في كل عصر وكل حين من الدهر ، مهما اختلفت الصور والأشكال ، على مر الزمن والأجيال ، فالحق هو الحق ، والباطل هو الباطل ، والنصر من عند الله الواحد القهار ، ولتكن هذه الثلة المجاهدة في سبيل الله قدوة لنا ، كما كان الرسول الكريم قدوة لهم ولنا عبر مسيرة الإسلام الحنيف ، قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [14] . وبالجهاد وحده تتحرر البلاد كما قال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [15] .
انتهى .
===============
( 1 ) سنن ابن ماجه ، الجزء 4 ، ص 333 .
( 2 ) مسند أحمد ، الجزء 45 ، ص 281 .
( 3 ) ابن الأثير ، ج 11 ، ص 551 .
( 4 ) ستيفن رانسمان ، تاريخ الصليبيات ( بالإنجليزية ) ، ج 2 ، أعاد نشرها شاكر مصطفى ” الذين دخلوا القدس وصلوا في المسجد الأقصى ” ، مجلة العربي ، العدد 323 ، آذار 1978 ، ص 34 .
( 5 ) رفيق شاكر النتشة ، القدس الإسلامية ( الرياض : دار ثقيف للنشر والتأليف ، 1996 ) ، ص 75 .
( 6 ) القرآن الكريم ، سورة المعارج ، الآيات 5 – 6 .
( 7 ) القرآن الكريم ، سورة الحج ، الآيات 38 – 41 .
( 8 ) القرآن الكريم ، سورة يس ، الآية 82 .
( 9 ) القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، الآيات 126 – 127 .
( 10 ) القرآن الكريم ، سورة الأنفال ، الآية 10 .
( 11 ) القرآن الكريم ، سورة الأعراف ، الآية 103 .
( 12 ) القرآن الكريم ، سورة الأعراف ، الآية 137 .
( 13 ) القرآن الكريم ، سورة الحديد ، الآية 23 .
( 14 ) القرآن الكريم ، سورة الممتحنة ، الآية 6 .
( 15 ) القرآن الكريم ، سورة الصف ، الآيات 10 – 13 .

أضف تعليق