أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة
وجاء في صحيح البخاري – (ج 10 / ص 257) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” فُكُّوا الْعَانِيَ يَعْنِي الْأَسِيرَ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ” .
في خطوة مفاجئة للجميع ، مرنة وغير منتظرة بهذه الطريقة ، وبهذا الإخراج الفني والسياسي الدقيق ، وبعد طول انتظار ، تمت عملية تبادل جزئية بين المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ، وحكومة الاحتلال الصهيوني شملت 20 أسيرة فلسطينية ، من عدة حركات وفصائل فلسطينية مجاهدة إسلامية ووطنية مقابل شريط فيديو يمتد لأكثر من دقيقتين زمنيتين ، خرجت بموجبها بعض الأسيرات الماجدات الفلسطينيات اللواتي تعرضن للقهر والظلم الصهيوني وعاشت حياة أسرية غير طبيعية في سجون الاحتلال الصهيوني ، صودرت فيها حريتهن ، ودفعن ضريبة السجن والاعتقال وأطلق على هذه العملية التحريرية ( صفقة الحرائر – حرائر فلسطين ) وتستحق هذه التسمية الطيبة .
لقد تمت صفقة غلعاد شاليط المصورة عبر عشرات الثواني من تصوير فيديو مقابل حرية بعض أسيراتنا المسلمات الفلسطينيات المجاهدات المرابطات القابضات على الجمر . هذه الحادثة تذكرنا بطلب المرأة المسلمة النجدة من خليفة المسلمين المعتصم في حاضرة الرافدين ببغداد الأبية ، فقالت ( وامعتصماه .. وامعتصماه ) فكانت الاستجابة الفورية مع الفرق في الزمان والمكان وتجييش الجيوش ، وإستكانة البعض للذل والخنوع وعدم تلبية استغاثة ونجدة الفلسطينيات الماجدات المدافعات في الصف الأول من جمع المجاهدين ، بالقلب واللسان والكلمة واليد .
وللتذكير ، هجمت مجموعة إسلامية فلسطينية متعددة الأجنحة العسكرية ، مؤلفة من 3 حركات مقاومة على معسكر صهيوني قرب قطاع غزة ، مكونة من عناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام ، وألوية الناصر صلاح الدين ، وجيش الإسلام في عملية الوهم المتبدد في 25 حزيران 2006 ، فقتلت جنديين يهوديين وجرحت آخرين ، وأسرت الجندي اليهودي غلعاد شاليط ، ذو الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية ، واحتفظت به منذ ذلك التاريخ حتى الآن ، لتستثمره في عملية تبادل جزئية بانتظار عملية التبادل الكبرى في وقت لاحق إن شاء الله تبارك وتعالى .
لقد جاءت هذه الصفقة الجزئية ، بين المقاومة الفلسطينية ، لتخرج 20 أسيرة فلسطينية ( أسيرتان اثنتان من قطاع غزة المحاصر و18 أسيرة من الضفة الغربية المحتلة ) من خلف قضبان الأعداء ، أعداء الله ، وأعداء الإنسانية ، وأعداء الحرية ، وأعداء الشعب الفلسطيني ، لتؤكد مرة أخرى ، استطاعة المقاومة تحقيق ما لم تستطع ولن تستطيع المفاوضات العبثية الثنائية أو المتعددة مع الكيان الصهيوني من إخراج أسرى أو أسيرات من براثن الاحتلال الهمجية الوحشية ، في هذا الوقت بالذات ، وكذلك تعيد التأكيد على أن عملية التبادل ما كانت لتتم لولا إصرار المفاوضين المخلصين للأسرى ، ودخول الوساطة الألمانية الصادقة الطيبة ، كما أنجزت صفقة التبادل بين حزب الله في لبنان ، والحكومة الصهيونية في تل أبيب ، ورغم الوساطة المصرية الفاشلة التي بدأت منذ أمد بعيد ، كانت بعيدة عن تحقيق أماني وطموحات الأسرى وذويهم وشعبهم الفلسطيني العربي المسلم ، وكنا نتمنى أن لا تقبل مصر بالتوسط ، فهي غير مؤهلة لذلك لعدة أسباب وعوامل موضوعية وذاتية ، داخلية وخارجية وإقليمية ، ولا تتمتع بالثقة الشعبية الفلسطينية ، وكذلك لا تتمتع بالأهلية السياسية والدبلوماسية لما تم تحقيقه يوم الجمعة 13 شوال 1430 هـ / 2 تشرين الأول – اكتوبر 2009 ، حيث خرجت 20 حرة من حرائر فلسطين الماجدات من براثن الظلم والوحشية والعنجهية الصهيونية .
وهذه الصفقة التبادلية الفلسطينية – الصهيونية بوساطة ألمانية حقيقية ، رأت النور في يوم الجمعة المباركة ، لتقبل شفاه بنات فلسطين الحرية ، وأرض فلسطين الأبية ، والأهل والإخوة وتصافح أرواحهن أرواح الأسيرات الباقيات في السجون العنصرية الصهيونية ، وأرواح الشهيدات الفلسطينيات في جنات النعيم في الفردوس الأعلى عند رب العالمين ، بعيدا عن المنغصات والمعوقات الصهيونية اللئيمة ، التي احتجزت أجساد الفلسطينيات الماجدات اللواتي رفضن الذل والمهانة ، وسطرت بحياتهن بعض أمجاد المقاومة الجسورة الإسلامية والوطنية ، فقد ضمت هذه الكوكبة من حرائر فلسطين المفرج عنهن : 4 أسيرات من حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) و5 أسيرات من حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) ، و3 أسيرات من حركة الجهاد الإسلامي ، و7 أسيرات مستقلات ممن قاومن الاحتلال الهمجي الوحشي الصهيوني لأرض فلسطين العربية المسلمة .
ومهما يكن من أمر ، كانت ثمن هذه الصفقة على الجانب الصهيوني هو معرفة مسألة حياة أو موت غلعاد شاليط ، والإطمئنان على صحته ، بعد جرحه أثناء اقتياده مخطوفا لقطاع غزة ، في زنزانة أو سجن فلسطيني هو الأول من نوعه عبر التاريخ المعاصر ، إذ لم تستطع آلة الحرب الصهيونية البرية والجوية والبحرية من معرفة مكان وجود وإخراجه من الأسر بالطرق الوحشية الإرهابية والمخابراتية الخبيثة ، فاضطرت قيادة الاحتلال الصهيوني بزعامة الليكودي اليهودي المتطرف بنيامين نتانياهو رئيس حكام تل أبيب خاصة والكيان الصهيوني عامة ، لاختصار الطريق وإلهاء قوات الاحتلال الصهيوني وإرضائهم بالاطمئنان على مصير غلعاد شاليط كجند من جند الظلم والظلام الصهيوني في أرض فلسطين الطيبة . فخرج غلعاد شاليط عبر شريط فيديو فلسطيني ببزة عسكرية خضراء كناية عن وضعه العسكري ، كأسير حرب ، وهو يبتسم ، وبيده صحيفة ( فلسطين ) يوم 14 أيلول – سبتمبر 2009 فقرأ رسالته ثم وقف على كرسيه في نهاية الشريط المتلفز وسط هلام فضائي مبهم .
على العموم ، تمثلت استغاثة الأسيرات الفلسطينيات الماجدات ، ب : ( واإسلاماه .. واعروبتاه وافلسطيناه .. وامقاومتاه .. واإنسانيتاه ) وهن يصرخن بملء الفم ، من وراء القضبان اليهودية – الصهيونية المتعجرفة ، فجاءت تلبية النداء المبحوح من خلف قضبان النذالة والاستغلال والقهر السياسي والاجتماعي والنفسي ، استجابة نصر مؤزر ، وفخر وعز وكرامة إسلامية وقومية ووطنية وإنسانية مشهودة ، فخرجت بعض أسيرات فلسطين رافعات رؤوسهن ، من سياط الجلادين الصهاينة ، من يهود فلسطين ، الطارئين على بلاد كنعان ، الأرض المقدسة .. فكسر القيد إذ أنه لا بد للقيد أن ينكسر ولو بعد حين ، وجاء هذا الحين ، من أحايين الفرح والسعادة ، الممزوجة بالحزن والبكاء وتساقط الدموع فرحا وبهجة للخارجات من السجن وللباقيات في السجن على السواء ، في ثنائية فلسطينية غير مسبوقة ، بهذه الدرجة من الحماسة والشجاعة والعنفوان ، وخرجت الحرائر لمشاهدة سماء فلسطين ، وأرض فلسطين المباركة ، بعزة وكرامة وشموخ إسلامي مشهود .
لقد تعودت الأسيرات والأسرى من أهل البلاد الأصليين ، أن الخروج من براثن المعتقل والسجن تكون بعد إنتهاء فترة الحكم الصهيوني العسكري الخيالي ، وهذه المرة كانت حالة استثنائية لخروج 20 أسيرة فلسطينية من حرائر فلسطين الشريفات ، تم تأجيل تحرير الأسيرة العشرين منهن ( روضة حبيب ) ليوم الأحد 4 تشرين الأول 2009 ، أي بعد يومين من الإفراج عن الأسيرات التسعة عشرة أسيرة ، بعملية تبادل فريدة من نوعها وشكلها ومضمونها ، فكان الثمن شريط مدته دقيقتين للجندي اليهودي المختطف جندي الدبابة الصهيونية غلعاد شاليط ، مقابل حرية أسيرات فلسطينيات في يوم مباركة بساعة مباركة ، لتنسم نسيم هواء الحرية العليل . وتأتي عملية تأجيل تحرير الأسيرة روضة حبيب ، ليومين لشد الأعصاب وتوتير الأجواء وإنقاص فرحة صفقة الحرائر الفلسطينيات ، والاحتلال كعادته يفتعل توتير الأجواء والحرب النفسية ولكن أساليبه الجهنمية الخبيثة الشيطانية مفضوحة ومكشوفة للجميع .
وفيما يلي أسماء الأسيرات الفلسطينيات المحررات من السجون الصهيونية يوم الجمعة 2 تشرين الأول 2009 : زهور حمدان ، آيات القيسي، روجينه جناجرة، ريما أبو عيشة ، صمود عبد الله ، ليلى البخاري ، كفاح بحش ، لنان أبو غلمة ، من نابلس ، ميمونه جبرين ، سناء صلاح حجاجرة ، نيفين دقة، من بيت لحم، شرين محمد حسن، منال سباعنة، من جنين، هيام بايض، ناهد دغرة، براءة ملكي ، من رام الله، نجوي عبد الغني، من طولكرم. هبة النتشة، جهاد أبو تركي ، من الخليل، وفاطمة الزق وطفلها يوسف من قطاع غزة.
ومن ضمن الأسيرات المحررات ، لقد خرجت الأسيرة فاطمة الزق ، من غزة هاشم ، وطفلها يوسف ( السجين الصغير ) الذي أنجبته في زنازين الاحتلال بعدما كانت حاملا في الشهر الثاني لدى اعتقالها في 17 آب 2008 ، خرجا من سجون الاحتلال الصهيوني المجرمة ، فكانت الحرية مضاعفة ضعفين اثنين ، للأسيرة الماجدة فاطمة ، وللفطيم يوسف أسير الحرية ، منذ ولادته فصرخ صراخا عظيما أن لا بد له من استنشاق نسيم الحرية في حضن والده ووالدته وأقربائه وأحبابه ، وممارسة طفولته البريئة في أرض وسماء غزة هاشم الأبية مثله مثل بقية أطفال شعبة المكلوم ، فاستجاب لهما الخالق سبحانه وتعالى ، من فوق سبع سماوات طباقا ، فخرجا من خلف القضبان الحديدية القذرة ، لينالا حريتهما بعد حين من السجن ، فجاءت الأيام الخضراء بدلا عن الأيام الزرقاء ، ومحيت سنوات السجن العجاف .
فمليون تحية وتحية ، لجميع أسرى وأسيرات فلسطين ، فردا فردا ، أسيرا أسيرا ، وأسيرة أسيرة ، في معتقلات وسجون الاحتلال الصهيوني ، وبالصبر والمصابرة والمرابطة ، ستخرج إن شاء الله العلي العظيم ، كوكبة تلو كوكبة من أسرى الحرية في سجون الأعداء ، لتنسم هواء الحرية ، وأكسجين الحياة الدافئة ، البعيدة عن جراثيم وميكروبات السجون الصهيونية .
فتهنئة حارة وتحيات طيبة مباركة ، إسلاميا وإنسانيا ، لأخواتنا الكوكبة الجديدة من الأسيرات الماجدات المحررات من بنات فلسطين ، راجين من الله العلي العزيز الحكيم ، أن يفرج هموم وغموم بقية الأسيرات الفلسطينيات وأسرى فلسطين والوطن العربي في سجون الاحتلال والمحتلين اليهود ، البالغ عددهم حوالي 11 ألف أسيرة وأسيرة ، منهم وزراء سابقين ونواب حاليين في المجلس التشريعي الفلسطيني ، الذين سطروا ملاحم الحرية ، ولا زالوا ينتظرون فرج الله بالإفراج عنهم من غياهب سجون الاحتلال الصهيوني قريبا ، بعون الله الحي القيوم .
وختاما نقول ، لقد جاءت عملية ( صفقة حرائر فلسطين ) استجابة لنداء نبوي شريف دعا به المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث جاء في صحيح البخاري – (ج 16 / ص 164) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ ” . فأتت عملية فك كوكبة نسائية طيبة من العانيات الأسيرات المرابطات من إناث فلسطين الطاهرات الماجدات بشكل مفاجئ ، من حيث لم يحتسبن ولم يحتسب شعب فلسطين الأصيل في الأرض المقدسة . فطوبى للمحررات الفلسطينيات ، وأياما هادئة وهانئة نرجوها لهن في أرض فلسطين الطيبة المباركة وفي ظل التآلف والتكاتف الأسرى والشعبي والرسمي الفلسطيني ، بعيدا عن قضبان وتعسف الاحتلال الصهيوني الوحشي .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .