أولويات وأماني وتطلعات فلسطين 2008 ( د. كمال إبراهيم علاونه )

 

كتبهاد. كمال إبراهيم محمد شحادة ، في 16 شباط 2008 الساعة: 13:29 م

 أولويات وأماني وتطلعات فلسطين 2008

======================

 د. كمال إبراهيم علاونه

أستاذ العلوم السياسية

جامعة فلسطين التقنية / طولكرم

 

      يبلغ تعداد الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات أكثر من 10 ملايين نسمة ، منهم  3 ر1 مليون نسمة في الجليل والمثلث والنقب والساحل ، و4 ملايين في الضفة الغربية وقطاع غزة والباقي يتوزعون في أنحاء الكرة الأرضية بمعنى أن نصف الشعب تقريبا يعيش في وطنه بفلسطين الكبرى وكذلك هناك أجزاء من الشعب الفلسطيني تقيم في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكيا الشمالية والجنوبية واستراليا فهو شعب عالمي . والشعب العربي الفلسطيني على أبواب العام الميلادي 2008 ، والعام القمري الهجري 1429 ، بمناسبة اقتراب الذكرى الثالثة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية الباسلة ، يتطلع لعدة أولويات وأماني وتطلعات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية ، وطنية وشعبية وحزبية وجماعية وفردية في الآن ذاته .

أولا : الوحدة الوطنية الفلسطينية الشاملة : فعلى الصعيد الوطني العام يتطلع الشعب الفلسطيني إلى الوحدة الوطنية الشاملة بحق وحقيق ، ليلتئم الجرح في فلسطين الجريحة وتعود المياه لمجاريها بين حركتي فتح وحماس كحركتين كبيرتين لا يكون بغيرهما معا الحرب والسلام في البلاد ، مع التقدير لكل الفصائل والحركات والأحزاب الأخرى على الساحة الفلسطينية . والمطالب حثيثة لتعود سلطة وطنية فلسطينية واحدة نواة دولة فلسطين العتيدة القادمة وعاصمتها القدس الشريف ، برئاسة فلسطينية واحدة ومجلس وزراء واحد ، وجيش واحد ، ومصير واحد ، ورؤى واحدة ، وعلم واحد ، وشخصية فلسطينية واحدة ، وخطة تنمية واحدة ، وانتفاضة مقبلة واحدة موحدة لإنجاز الحرية والتحرير والاستقلال الوطني لأبناء الشعب المعذبين في الأرض ، وليأخذ كل ذي حق حقه دون زيادة أو نقصان .

ثانيا: التعددية السياسية : على الصعيد السياسي ، التعددية السياسية مطلوبة ، لتشمل كل الأطياف والألوان السياسية والفكرية ، والملاحقات من هنا وهناك مرفوضة ، ولا تؤدي إلا إلى التشرذم والتشظي والانقسام والثبور المتلاحق وما ينجم عنها من الحقد والكراهية والضغائن المتجددة . فلنجدد التزامنا بالتعددية السياسية وليختر الشعب من يراه مناسبا لقيادته ، ولا للاعتقالات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة من أبناء الهم والنكبة والاقتلاع الواحد . كما إن الدعوة للانتخابات الرئاسية والنيابية المبكرة مسألة حتمية لا بد منها لراب الصدع والشرخ في الأجندة الفلسطينية العامة ، ويكفينا انقساما على أنفسنا فالاعتصام بحبل الله المتين خير لا مفر منه . يقول الله العزيز الحكيم بالقرآن المبين : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . وليتم تبادل الأدوار بين الجميع باتفاق الجميع ، البعض يفاوض والآخر يجاهد ولا للمزايدات على بعضنا البعض ، لأن السيف الإسرائيلي فوق رقاب الجميع ينتظر الفرصة السانحة للإنقضاض على الجسد الفلسطيني الممزق . ويجب وضع حد شامل وجامع للفوضى والفلتان الأمني في المجتمع الفلسطيني ، وتقوية القضاء ، ووضع حد للتسيب الأمني من عشرات أفراد الأجهزة الأمنية التي عاثت سابقا فسادا وإفسادا حيث تصدرت قائمة الفلتان الأمني . والحملة الأمنية الفلسطينية الكاملة المتكاملة ينبغي أن تنفذ بإدارة واعية وعيون ساهرة لينعم المجتمع بالأمن والأمان السياسي ليسود الاستقرار والطمأنينة بين الجميع . وتقتضي الشجاعة القول إنه لا بد من تطهير القطاع العسكري من المرتزقة والمندسين والمنتفعين من ذوي المحسوبية والشللية والاستزلام . ولا بد من العمل الحثيث للإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال وتقديم الدعم للأسرى المحررين .

ثالثا: التنمية الاقتصادية : وأما على الصعيد الاقتصادي ، فلا بد من تنفيذ خطة التنمية الوطنية الشاملة للضفة الغربية وقطاع غزة ، وليتم العمل على إنعاش الاقتصاد الوطني ، بجميع أجنحته الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية والسياحية من خلال إقامة المشاريع التنموية الفردية والجماعية والحكومية ، وذلك بغية تقليل نسبة البطالة في صفوف القوى العاملة والحد من الهجرة الداخلية والخارجية لأبناء الشعب . ولتدفع زيادة غلاء المعيشة للعاملين في القطاعين العام والخاص ، ولتدفع المستحقات والمتأخرات المالية والإدارية للعاملين في القطاع الحكومي العام البالغ عددهم نحو 170 ألف موظف مدني وعسكري . ولتتوقف كل عمليات البناء الإستيطاني التي تشكل سرطانات متنقلة وثابتة في فلسطين ليس من أجل المفاوضات فقط وإنما من أجل الحرية والاستقلال الوطني والحد من قضم وابتلاع الأراضي الفلسطينية بجرافات الاحتلال ومشاريعه الاستعمارية المتصاعدة . ولا ننسى القطاع الخاص الذي يستحق الدعم المادي والمعنوي . ويمكن أن تكون الخطة الوطنية الفلسطينية الثلاثية التي اقرها مؤتمر باريس من الدول المانحة ( للدولة الفلسطينية ) في 17 كانون الأول 2007  جسرا وممرا آمنا لتجاوز العقبات والمشكلات في أرض الوطن الفلسطيني حيث تم إقرار المساعدات والمعونات بما يقارب 481 ر7 مليار دولار . ولا بد من إعادة الثقة بين أبناء الشعب والقيادة ووضع حد للفوضى الأمنية لتأمين عودة الرساميل الفلسطينية الخارجية التي هربت قبلا  لتساهم في بناء الوطن المبعثر والمتعثر . ولا بد من وضع الشخص المناسب في المكان المناسب باعتماد تكافؤ الفرص بعيدا عن الفئوية والمحسوبيات الدفينة .

رابعا : التنمية الاجتماعية : لا بد من تعزيز التنمية الاجتماعية ووضع حد للإغتراب الاجتماعي في ارض الوطن وخارجه ولا بد من تطبيق نظام الضمان الاجتماعي على الجميع . ومن الضروري دعم الإسكان الوطني الفلسطيني ، الفردي والجماعي ، وتقديم التسهيلات للأسر والعائلات الفلسطينية لتتمكن من إيجاد المأوى الملائم لتعزيز الصمود والمرابطة فوق ثرى الوطن في القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية . والعمل على تشجيع الزواج وتسهيله من الأمور الهامة في الحفاظ على التكاثر الطبيعي للشعب والصراع السكاني مع الأعداء في البلاد .

وكذلك من الضروري إيلاء التعليم العام والتعليم الجامعي الاهتمام الكافي ، كما ونوعا ، عبر إضافة المباني المدرسية والجامعية واستيعاب المؤهلين للتنمية التعليمية العامة والعليا ، وتخصيص ميزانية سنوية ثابتة قدر الإمكان للارتقاء بالمسيرة العلمية نحو العلى والحد من التسيب والتسرب بكلا الاتجاهين العمودي والأفقي للذكور والإناث على السواء . فالمدارس والجامعات هي المؤسسات التي توفر الكوادر المؤهلة في شتى التخصصات والمجالات ، لبناء الوطن المدمر من الاحتلال . ولا بد من التذكير ان الصحة العامة يجب أن تأخذ دورها لتوفير الأمن الصحي للجميع عبر التأمين الصحي الشامل ، وتقليل تأثير الأمراض المعدية والمزمنة ليعيش الإنسان الفلسطيني بأقل آلام ممكنة ويكون ذلك بفتح مشافي وعيادات صحية داخلية وخارجية جديدة واستقطاب الكوادر المؤهلة والمدربة بصورة ممتازة ، وزيادة الاهتمام بالأمومة والطفولة وتوفير الدواء المناسب في الوقت المناسب للمرضى وخاصة من ذوي الأمراض المزمنة كالسكري والسرطان والإعاقات الحركية والسمعية والبصرية والأمراض الفتاكة . ولا ننسى الرعاية الاجتماعية ، التي تكون واجبة لذوي الحالات الخاصة من الأيتام والأرامل والكبار في السن والفقراء والمحتاجين ، فالمجتمع السليم هو الذي يكون فيه التكافل والتكامل الاجتماعي ليعم الجميع الحياة الفضلى المناسبة دون منغصات وآلام الحرقة والحرمان ، كما قال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث جاء بصحيح مسلم – (ج 13 / ص 212) : { مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ } . ولا بد من إكرام وتبجيل أسر الشهداء والجرحى وخاصة ذوي الإعاقات الجزئية أو الكلية الطبيعية أو الناجمة عن الإجراءات الاحتلالية الظالمة .

خامسا : التنمية الثقافية :  لا بد من تبني ونشر ثقافة فلسطينية متميزة تدعو للتفاهم والتعاون والمحبة والصداقة المجتمعية بين أبناء الشعب الواحد بعيدا عن الحزبية والتكبر والسخرية والقبلية الاجتماعية والسياسية الضيقة ، فالفرد الفلسطيني عضو فاعل في المجتمع ولا لسياسة التكفير والتهجير والتجبير ، وليكن الجميع أخوة متحابين يدعون إلى الوئام المدني والابتعاد عن الخصام المدني والسياسي ، يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }( القرآن الكريم : الحجرات ، 11 ) .

سادسا : مواجهة الحرب النفسية : لا بد من القول ، إن الصعيد النفسي لا يقل أهمية عن الأصعدة  السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ويتمثل ذلك بالعمل الحثيث على صد الحرب النفسية التي يشنها الأعداء بشكل متواصل على أبناء شعب فلسطين . وتتمثل أساليب الحرب النفسية بالتشكيك بالعادات والقيم والتقاليد والأخلاق العربية الأصيلة وبث الشائعات والموبقات ونشر الكبائر بين الفلسطينيين بوسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والانترنت وغيرها . وذلك بهدف هز المجتمع الفلسطيني وتفتيته من الداخل ليسهل افتراسه لاحقا .

     وأخيرا ، لا بد من القول لجميع الفلسطينيين ، في الداخل والخارج ، نتمنى لكم أعيادا وأياما دينية ووطنية وقومية طيبة ، ولتكن مباركة علينا وعليكم جميعا ، بمناسبة عيد الأضحى المبارك ، وعيد رأس السنة المجيدة ، وذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية ، وإلى الأمام دائما وأبدا يا بني قومنا . ونقول : { عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }( القرآن الكريم : الأعراف ، 89 ) .

أضف تعليق